بين مطرقة أورتيجوس وسندان براك

كتب أنطوان فضّول:
يعود إلى الواجهة اللبنانية، الإهتمام الأميركي المباشر بملفيه السياسي والأمني، مع وصول مورغان أورتيجوس إلى بيروت في زيارة تستكشف من خلالها المسار العام، تمهيداً لزيارة المبعوث الأميركي توماس براك المرتقبة الأسبوع المقبل، في إطار تحريك ما يُعرف بالآلية الأميركية – الدولية لمتابعة تنفيذ التفاهمات المتعلقة بوقف الأعمال العدائية جنوب الليطاني وإعادة تنظيم المشهد الأمني.
التحرك الأميركي، وإن بدا في ظاهره تنسيقاً دبلوماسياً روتينياً، يحمل في جوهره أبعاداً تتجاوز التقييم الميداني إلى محاولة إعادة رسم موازين القوى الداخلية، عبر تفعيل خطة مرحلية تتناول مسألة السلاح خارج السلطات الشرعية ضمن رؤية تدريجية، تربط نزع السلاح الثقيل للفصائل المسلحة بضمانات أمنية إسرائيلية وانسحابات موازية من بعض النقاط الحدودية، مع التزام واشنطن بدعم الجيش اللبناني مالياً وعسكرياً بحزمة جديدة من المساعدات تقارب 230 مليون دولار.
إلا أنّ هذا التحرك يثير مخاوف مشروعة لدى الأوساط اللبنانية من أن يتحوّل “الميكانيزم” الأميركي – الدولي إلى أداة ضغط دائمة على الدولة اللبنانية، أو إلى وسيلة لتدويل القرار الأمني الوطني.
كما تتوجّس قوى سياسية وشعبية من أن يؤدي هذا المسار إلى مواجهة غير مباشرة مع حزب الله والفصائل الفسطينية، خصوصاً إذا لم تُرفق الخطوات الأميركية بضمانات إسرائيلية حقيقية تضع حداً للاعتداءات المتكررة على السيادة اللبنانية.
وجود أورتيجوس في بيروت يحمل طابعاً استطلاعياً ورسالة تمهيدية لزيارة براك المقبلة، التي يُتوقّع أن تشهد مشاورات دقيقة مع المسؤولين اللبنانيين حول مستقبل السلاح ودور الجيش وآليات تطبيق القرار 1701 بصورة موسّعة.
وفي الوقت نفسه، تشكّل هذه الحركة الدبلوماسية مؤشراً على أن واشنطن لم تغادر الساحة اللبنانية، بل تتابع ملفاتها من زاوية أمنية – سياسية – اقتصادية مترابطة، في ظل تنامي الهواجس من تمدّد النفوذ الإيراني عبر حزب الله وتراجع الثقة الشعبية بالمؤسسات.
أمام هذا الواقع، إنّ الحفاظ على الاستقرار الداخلي لا يكون بالضغوط الخارجية ولا بالمعادلات المفروضة، بل بتفاهم لبناني شامل يعيد الاعتبار لسيادة الدولة وللمؤسسات الشرعية، ويضع أي نقاش حول السلاح في إطار وطني.
يحتاج لبنان اليوم إلى وضوح في الموقف الرسمي وإلى موقف موحد يستوعب الضغوط بالحوار، ويحوّل هذا الاهتمام الدولي إلى فرصة لتثبيت السيادة والاستقرار، بعيداً عن الحسابات الإقليمية وصراعات النفوذ التي أنهكت الوطن.