آفاق داخل أنفاق

كتب أنطوان فضّول.
في ضوء اجتماع مجلس الوزراء الأخير، بدا أن الأزمة اللبنانية لا تزال تتخذ أبعاداً أكثر تعقيداً، حيث تتقاطع الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية عند نقطة واحدة: غياب الحلول المستدامة.
الاجتماع، وإن حمل رسائل تهدئة ظاهرية، كشف في العمق هشاشة التوافقات الداخلية، إذ ظلّ النقاش محكوماً بميزان القوى التقليدي الذي يعكس انقساماً عميقاً حول مستقبل الدولة ومؤسساتها.
الخطة التي طرحها الجيش اللبناني جاءت محاولة لترسيم حدود دور المؤسسة العسكرية في مرحلة دقيقة، فهي تسعى لإعادة تثبيت حضور الجيش كضامن للاستقرار الداخلي وكمظلة تحمي البلاد من الانزلاق إلى الفوضى.
غير أن هذه الخطة اصطدمت، كما جرى في محطات سابقة، بسؤال جوهري لم يجد له لبنان حلاً منذ عقود: ماذا عن سلاح حزب الله؟ النقاش حول السلاح لم يعد محصوراً بالبعد الأمني، بل بات جزءاً من معادلة سياسية دولية وإقليمية معقدة.
بعض القوى الداخلية ترى أن البحث في هذا الملف يجب أن يندرج في سياق استراتيجي شامل، يتصل بالمفاوضات حول الحدود والضمانات الدولية ودور لبنان في المعادلات الإقليمية.
في المقابل، هناك من يعتبر أن أي إصلاح داخلي أو إعادة تفعيل لمؤسسات الدولة لا يمكن أن يكتمل من دون معالجة مباشرة لمسألة السلاح غير الشرعي.
في خلفية هذه المواقف، يطلّ الواقع الاقتصادي المأزوم كعامل ضاغط على الجميع، حيث يزداد شعور اللبنانيين بالعجز أمام الانهيار المالي وتآكل الخدمات الأساسية، في ظل غياب رؤية موحّدة تعيد الثقة إلى الداخل والخارج.
هذا الانهيار يعيد النقاش إلى جوهر الدولة: هل يمكن قيام إصلاح سياسي واقتصادي متوازن في ظل ازدواجية السلاح والقرار؟ الأفق اللبناني يبدو اليوم مرهوناً بقدرة القوى الداخلية على إنتاج تسوية سياسية جديدة، تتقاطع مع المبادرات الدولية والإقليمية التي تحاول الحدّ من الانهيار.
فالجيش، رغم إمكاناته المحدودة، يحاول الإمساك بخيط الاستقرار، فيما القوى السياسية تراهن على الوقت بانتظار تبدلات خارجية.
أما المجتمع اللبناني، فقد أصبح في موقع المتفرّج القلِق، المنهك من وعود لم تترجم، ومتسائل عن مصير بلد لم يعرف الاستقرار منذ سنوات طويلة.
إن ما بعد اجتماع مجلس الوزراء لن يكون كما قبله، لأنه أعاد إلى الواجهة كل الملفات العالقة، من إعادة هيكلة الدولة، إلى دور الجيش، إلى مستقبل سلاح حزب الله.
ومع ذلك، فإن الطريق إلى حل شامل ما زال طويلاً، محفوفاً بالمساومات والتجاذبات، لكنه في الوقت نفسه السبيل الوحيد لإنقاذ ما تبقى من دولة على وشك الانهيار الكامل.