حزب الله وضبط الإيقاع أمام الرسائل الأميركية المشفّرة

كتب أنطوان فضّول.
في خضمّ التصعيد العسكري غير المسبوق بين إسرائيل وإيران، وعلى وقع تبادل الرسائل النارية عبر جبهات المنطقة، شكّلت زيارة المبعوث الأميركي الخاص توماس باراك إلى بيروت محطة بالغة الأهمية، ليس فقط من حيث التوقيت، بل أيضاً من حيث المضمون السياسي الذي حملته معه إلى الداخل اللبناني.
حلّ باراك ضيفاً على العاصمة اللبنانية في لحظة مشبعة بالتحوّلات الجيوسياسية.
الحرب الإسرائيلية – الإيرانية باتت واقعاً مفتوحاً، وإن كانت حتى الآن محدودة ضمن نطاقات محسوبة.
من هذا المنطلق، بدت زيارته خطوة استباقية تهدف إلى احتواء احتمالات توسّع الاشتباك إلى الساحة اللبنانية، التي تمثل منذ عقود إحدى الجبهات الساخنة في المواجهة غير المباشرة بين طهران وتل أبيب.
المهمة الدبلوماسية الأميركية إجراء وقائي لدرء الانفجار في الجنوب اللبناني، لا سيما أن واشنطن تتخوّف من أن تنزلق الأمور نحو مواجهة شاملة بين حزب الله وإسرائيل، بما يهدّد الاستقرار الإقليمي ويعقّد الحسابات الأميركية في المنطقة.
حمل باراك معه رسالة واضحة: لا مصلحة للبنان ولا لحزب الله في التورّط في حرب مفتوحة، والولايات المتحدة ترى أن أي تحرك عسكري من الجنوب سيُقابل برد إسرائيلي قاسٍ لا يميّز بين البنية التحتية العسكرية والمدنية، مركّزًا في محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين على ضرورة تحييد لبنان عن النزاع، واستثمار القنوات الدبلوماسية لضبط النفس.
من جهته، لم يُخفِ حزب الله توجّهه الحذر تجاه الانخراط المباشر في الحرب الدائرة.
إلا أنّه حافظ على سقف مدروس لا يتجاوز "التضامن التكتيكي" مع طهران.
فقيادة الحزب تدرك أن أي اندفاعة غير محسوبة قد تؤدي إلى تدمير واسع في لبنان، وهو ما لا تتحمّله البيئة اللبنانية المأزومة اقتصادياً واجتماعياً.
القراءة الأعمق لموقف حزب الله تكشف معادلة جديدة يقوم بتثبيتها: الردع دون الانزلاق، والحضور دون الغرق في المواجهة.
الحزب يعلم أن عليه الاحتفاظ بورقة الجنوب كورقة تفاوضية لاحقة، لا أن يستهلكها الآن في حرب لا أحد يضمن مداها أو نتائجها.
وقد تلقّى الحزب عبر قنواته السياسية أكثر من رسالة تحذير، ليس فقط من الأميركيين، بل أيضاً من جهات أوروبية وحتى روسية، بضرورة الحفاظ على "هدوء استراتيجي" في الجنوب، خصوصاً أن أي تصعيد قد يؤدي إلى تفكيك التفاهمات الضمنية التي تحكم قواعد الاشتباك منذ عام 2006.
الاستراتيجية الأميركية تجاه حزب الله في هذه المرحلة تبدو مزدوجة.
من جهة، هناك حرص على تجنّب حرب شاملة تؤدي إلى فوضى إقليمية، ومن جهة أخرى، تسعى واشنطن إلى استثمار لحظة الضعف الإيراني لتعزيز الضغوط السياسية والاقتصادية على الحزب، على أمل أن يؤدي ذلك إلى تقييد نفوذه الداخلي والإقليمي.
ويبدو أن توماس باراك جاء حاملاً هذه الرسالة المزدوجة: الانخراط في تهدئة مشروطة، والتهديد بعواقب وخيمة في حال التمادي.
فالإدارة الأميركية تراهن على أن اللحظة الراهنة تشكّل فرصة لإعادة ترتيب التوازن في لبنان، من دون اضطرارها إلى مواجهة عسكرية مباشرة أو عبر حلفائها.
زيارة باراك إلى بيروت فصل من فصول لعبة دولية معقّدة يُعاد فيها رسم الخطوط الحمراء في لبنان.
أما حزب الله، فهو يسير على حبل رفيع بين واجب "الوفاء لمحور المقاومة" ومصلحة "الحفاظ على لبنان كمنصة قوة مستقبلية"، فيما يبقى الشعب اللبناني حبيس الخوف من زلزال أمني قد لا يرحم أحداً.