ترسيم الحدود بين لبنان وقبرص
كتب أنطوان فضّول:
في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة برئاسة الرئيس جوزيف عون، أقرّت الحكومة ترسيم الحدود البحرية مع جمهورية قبرص، في خطوة تعتبر ذات أهمية استراتيجية وأمنية وجغرافية كبيرة للبنان، لما تحمله من أبعاد تاريخية ومستقبلية تؤثر على الاستقرار الوطني والعلاقات الإقليمية.
يمثل هذا القرار ترجمة لحق لبنان الطبيعي في ترسيم حدوده البحرية وفقاً للقوانين الدولية، ويأتي في سياق حماية مصالحه الاقتصادية والأمنية، خصوصاً في ما يتعلق بالموارد الطبيعية الهيدروكربونية التي يمكن أن تساهم في تعزيز الأمن الغذائي والطاقة الوطني، إضافة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة البحرية.
ترسيم الحدود البحرية مع قبرص يعكس حرص لبنان على تثبيت حدوده البحرية بشكل واضح وشفاف، ما يقلل من احتمال النزاعات مع الدول المجاورة ويعزز من قدرته على إدارة موارده بشكل مستقل.
يمتد هذا الأثر إلى البعد الأمني، إذ يشكل وجود حدود بحرية محددة عامل استقرار في المنطقة، ويحدّ من أي محاولات للتدخل أو الاستغلال غير الشرعي للموارد البحرية.
كما أن الاتفاقية مع قبرص تتيح للبنان تطوير استراتيجيته البحرية في مراقبة المناطق الاقتصادية الخاصة وتوظيفها لخدمة أهدافه الاقتصادية والدفاعية على حد سواء.
من الناحية الجغرافية، فإن ترسيم الحدود البحرية مع قبرص يضمن للبنان مساحة بحرية محددة وواضحة، ما يمكّنه من التخطيط الطويل الأمد لاستغلال ثرواته الطبيعية، بما فيها الغاز والنفط.
كما أن هذا الترسيم يضع لبنان في موقع قانوني أقوى عند التفاوض مع الدول المجاورة، مثل إسرائيل وسوريا، في أي نقاش مستقبلي حول الحدود البحرية، ويمنحه أداة حماية أمام أي محاولات للتعدي على حدوده.
الأبعاد التاريخية للقرار تتجسد في السعي الطويل للبنان لتثبيت حدوده البحرية، منذ عقود من المفاوضات والملفات العالقة، إذ يمثل الترسيم خطوة أساسية نحو حل الملفات المتراكمة ورفع أي غموض قد يؤثر على السيادة اللبنانية.
أما من الناحية المستقبلية، فإن الاتفاقية مع قبرص تشكل قاعدة متينة لتطوير شراكات اقتصادية واستراتيجية مع الدول الإقليمية والدولية، بما يعزز موقع لبنان في شرق المتوسط، ويتيح له الاستفادة من الفرص الاقتصادية والطاقية المتاحة في المنطقة.
يبقى الأثر الإقليمي لهذا الترسيم بالغ الأهمية، إذ يظهر لبنان كشريك مسؤول وملتزم بالقوانين الدولية، ويعزز من دوره في مساعي الاستقرار في شرق المتوسط، كما يمكن أن يفتح الباب أمام التعاون مع دول الجوار في مجالات الطاقة والنقل البحري والأمن البحري.
ويشكل الاتفاق مع قبرص رسالة واضحة بأن لبنان يسعى لحماية مصالحه الوطنية بشكل متوازن ومتوافق مع الأطر القانونية والدولية، بما يقلل من المخاطر المحتملة للنزاعات الإقليمية ويعزز من دوره في التوازن الاستراتيجي في المنطقة.