ازمة المودعين بين الاسباب والحلول!

بقلم: الأستاذ رامي خليل
واجه لبنان العديد من الازمات من حروب ونزاعات وازمات سياسية, لكنه واجه بشكل خاص معضلة اساسية هزت كيانه ودمرت اقتصاده وشكلت ازمة ثقة بين المواطن والدولة من الصعب اعادة بنائها.
ازمة المودعين التي برزت بعد انتفاضة تشرين 2019, شكلت حادثة فريدة من نوعها ليس على صعيد لبنان فحسب بل على صعيد العالم.
الانتفاضة التي حصلت في 17 تشرين ليست فقط كناية عن مظاهرات وشغب وتسكير طرقات, بل هي محطة مفصلية من تاريخ لبنان ما بعد الطائف.
غيرت هذه الازمة مفهوم القطاع المصرفي في لبنان, السرية المصرفية والاقصاد الحر الذي سهل تدفق الاموال الى لبنان, اصبحوا لعنة على القطاع المصرفي.
تفاجا اللبنانيين بعد فتح الطرقات خلال مرحلة الثورة من عدم تلبية المصارف لرغباتم في السحب والتحويل, ما ادى الى احتجاز اموال المودعين داخل النظام المصرفي.
شكلت هذه الازمة خوف كبير وبلبلة بين المودعين وتكاثرت المشاكل في المصارف وسيطر العنف على المشهد, فشهد اللبنانيين على غضب كبير وخطر امام المصارف مثل التضارب بالعصي و استخدام الاسلحة وتكسير ابواب ومنشآت المصارف.
ما هو سبب تلك الازمة و ما هي الاجرائات الواجب اتباعها لحلها؟
بدات مرحلة ما بعد الحرب الاهلية وبروز رفيق الحريري كرئيس حكومة ورياض سلامة كحاكم مصرف لبنان ببروز سياسة اقتصادية, نقدية جديدة تجلت اولى مظاهرها بتثبيت سعر الصرف على ال1500 ليرة للدولار.
تفوقت ايضا تلك السياسة بالفوائد المرتفعة الغير عقلانية على سندات الخزينة, استمرت تلك السياسة لسنوات طويلة يوجد عدة امثلة على ذلك منها:
معدل الفائدة على سندات الخزينة لاجل 6 اشهر وصل في ايلول 1995 الى مستوى 27.9%. مثال2: معدلات الفائدة المدفوعة على سندات الخزينة لاجل عام واحد بلغت في ايلول 1995 نحو 37.85%.
تميزت ايضا سياسة الحكومات المتعاقبة بالقروض المصرفية,فاسعار الفائدة التي كانت تدفعها المصارف التجارية في آذار 1992 وصلت الى مستوى 42.8% ولغاية آذار 2003 حيث انخفضت الى 15%, الا انها بقيت الاعلى في المنطقة, ما يشير الى ان السياسة النقدية كانت سياسة طاردة للاستثمارات, وغير مشجعة لها. كان يجدر خفض اسعار الفائدة من اجل استخدام الاموال المودعة في اعطاء قروض للقطاعات الانتاجية وتحقيق نمو متوازن, ولا سيما ان معدلات نمو الناتج المحلي الاجمالي بدات تنخفض وبلغت 1% في عام 1997 ونمو سلبي بمعدل -0.526% في عام 1999.
كان يمكن المصرف المركزي توجيه المصارف نحو تمويل القطاعات الانتاجية المحلية, الا انها مولت البطاقات المصرفية (دائنة ومدينة) والقروض الشخصية مقابل توطين الراتب وقروض سيارات والورم العقاري.
ادى زلزال اغتيال الحريري في شباط 2005 وما رافقه من اغتيالات وجرائم الى جعل لبنان دولة غير جاذبة للاستثمار, لكن ازمة 2008 الاقتصادية والازمة السورية غيرت من ذلك حيث سمحت للاموال ان تتدفق في لبنان.
تراكم الدين العام وازداد الوضع السياسي والاقصادي تدهورا, فقام رياض سلامة الى وضع سياسات مالية و اقتصادية للمحافظة على الليرة و على الوضع الاقتصادي في البلد بانتظار مؤتمر سيدر الذي سيؤمن اموال تسد العجز في الميزانية.
ارتفع الدين العام الى 90 مليار عام 2019, خاصة بعد انتخابات 2018 النيابية التي اكثرت من التوظيف العشوائي والخدمات الانتخابية على حساب الدولة المنهكة, فسلسلة الرتب والرواتب التي انصفت الاساتذة والمتعاقدين في الوظيفة العامة اهلكت خزينة الدولة بمصاريف كثيرة ادت الى انفجار ضخم فيما بعد.
حجزت المصارف اموال المودعين في البنوك, ونتج عن ذلك فوضى عارمة في السوق اللبناني, فكسرت المضاربة على الليرة اللبنانية, وتعاظم نفوذ الصرافين الغير شرعيين, كما حلق سعر الصرف في السوق الى مستوى مخيف.
اثر كل ذلك سلبا على معيشة اللبنانيين, خاصة وان المودعين الذين لديهم المال والنفوذ والتي اعتمد عليهم الاقتصاد اللبناني لسنين طويلة اصبحوا الحلقة الاضعف في المجتمع, فيما المدينين الذين حصلوا على اموال مقروضة من المصارف اصبحوا من اصحاب الثروات بسبب رد ديونهم على سعر 1500 ليرة للدولار, بينما دولار السوق السوداء وصل الى حدود ال 140000 ليرة للدولارعام 2023.
اثرت هذه الازمة على القطاع المصرفي و على كل الاستثمارات في لبنان حيث خلقت هذه المشكلة ازمة ثقة كبيرة بين لبنان وجواره العربي, لان المصارف اللبنانية وضعت يدها على اموال مستثمرين عرب كثر.
تجادل الكثير من الاقتصاديين عن حلول ممكنة لحل ازمة القطاع المصرفي, منها: اعادة هيكلة المصارف, مشروع الcapital control, وغيرها من مشاريع القوانين والاقتراحات, لكن كل تلك الحلول لم تبصر النور.
واجهت المافيا المصرفية اي حل يمكن ان ينقذ القطاع المصرفي على حساب اموالها ومصالحها, فاصحاب المصارف التي اكثرية مجالس ادارتها تضم سياسيين بالغت في معارضتها الحلول الاصلاحية لانقاذ ما تبقى من القطاع المصرفي, فليس ذلك غريبا عنها.
طوال سنين عديدة استدانت الدولة المفلسة من المصارف, وبالمقابل لم تقم المصارف بالاعتراض على ذلك مستفيدة من السلطة السياسية الفاسدة على حساب المودع المظلوم.
قامت ايضا المصارف بخطوات لاعادة اموال المودعين كالتعاميم 158 و166, ولكن تلك التعاميم لم تكن كافية لاعادة الثقة بالقطاع المصرفي, كما ان مجلس الوزراء ناقش الكثير من الخطط التي الى حد اليوم لم يتحقق منها قرار واضح لاصلاح القطاع المصرفي.
فهل ستتمكن حكومة نواف سلام من ايجاد حل دائم يعيد القطاع المصرفي الى عصره الذهبي؟