سيف من أقحوان - الحلقة الثالثة
ظلال الشك
تحوّلت قرية سوسن في أيام قليلة من قرية هادئة إلى خلية نحل تستعد لمواجهة المجهول. الرجال كانوا يشحذون السيوف ويجمعون المؤن، ويبنون المتاريس على المداخل الرئيسية، بينما كان الفتيان يتعلمون فن الرماية واستخدام الرماح. لكن وسط هذا الاستنفار، كان هناك حديث خافت يتردد بين الحراس وفي الأزقة الضيقة، همسات مليئة بالشك والتردد.
"مَن هو هذا الرجل حقًا؟ كيف يعرف الكثير عن الخطط الحربية؟ وعن تحركات الصليبيين؟ هل يمكن أن يكون جاسوسًا؟
لم يكن رازي بحاجة إلى سماع هذه الكلمات ليفهم ما يدور في أذهانهم. منذ أن كشف عن بعض مهاراته العسكرية واقترح استراتيجيات دفاعية متقدمة، بدأ الناس ينظرون إليه بعينين مختلفتين—بعضهم بإعجاب، وبعضهم الآخر بخوف.
كان الأمير عز الدين قد قبل مشورته، وكذلك الشيخ داوود، بعد أن رأوا حكمته في تنظيم الدفاعات وتوزيع القوات القليلة المتاحة بذكاء. لكن هذا لم يكن كافيًا لإقناع الجميع.
في إحدى الليالي، بينما كان رازي يرسم خريطة على الرمل، مشيرًا إلى النقاط التي يجب تعزيزها، اقترب منه رجل ضخم الجثة، ذو لحية رمادية وعينين حادتين، يُدعى مروان، وهو أحد أقدم مقاتلي القرية.
قال بصوت جاف: "أنت تتصرف كقائد، لكن لا أحد يعرف من أين أتيت حقًا.
رفع رازي بصره ببطء، لم يكن غاضبًا، لكن في عينيه كان هناك شيء جعل الرجال حوله يتراجعون قليلاً.
"وهل يهمّ من أين أتيت، إن كنت أريد حماية هذه الأرض كما تحمونها أنتم؟
زمّ مروان شفتيه وقال بتهكم: "ربما. لكننا لا نثق بسهولة بالغرباء.
صمت رازي للحظة، ثم وقف على قدميه، مواجهًا الرجل العملاق دون أن يتزحزح.
"الشك وحده لن يحميكم من الصليبيين، بل المعرفة والتخطيط. إن كنت ترى أنني لا أستحق أن أكون هنا، فقلها مباشرة، وسأرحل".
تبادل الرجال نظرات متوترة. لم يكن أحد يريد خسارة رجل يعرف كيف يحميهم، لكن الشك كان نارًا يصعب إخمادها. في تلك اللحظة، تقدّمت سوسن فجأة، ووقفت بجانب رازي، ناظرة إلى مروان بثقة: "رازي أنقذ والدي من الموت، وكان بإمكانه الرحيل لكنه بقي ليساعدنا. أشك في أن هناك من قدّم لنا أكثر مما قدّمه”. نظر مروان إلى سوسن، ثم إلى رازي، قبل أن يتنهد أخيرًا ويقول: "آمل فقط ألا نندم على ثقتنا”. راقب رازي الرجل وهو يبتعد، ثم التفت إلى سوسن وقال بصوت منخفض: "كان بإمكانكِ تركهم يشكّون".
"لا يمكنني الوقوف متفرجة وهم يتهمونك بشيء لست عليه".
نظر إليها مطولًا، ثم ابتسم نصف ابتسامة وقال: "لعلّكِ تثقين بي أكثر مما ينبغي".
أجابت بثقة: "وربما لا تثق أنت بنفسك كما ينبغي".
نظر إليها للحظة أخرى قبل أن يعود إلى خريطته على الرمال. لم يكن هناك وقت للحديث عن الثقة أو الماضي. الحرب كانت تقترب، والمصير لا يزال مجهولًا.